تعود الوقائع للعام 2014 عندما كثرت بلاغات النهب من قبل مستقلي البصات السفرية القادمين من الولايات الى الخرطوم وبالرغم من تكثيف التحريات من قبل الشرطة والمباحث الا ان الجاني ظل مجهولا لدى السلطات. وظلت البلاغات مقيدة ضد مجهول لتعزر القبض عليه. البلاغات كانت منفصلة لمبلغين مختلفين الا ان الوقائع كانت متشابهة السيناريو .
البداية:
سجلت اقسام الشرطة المختلفة بلاغات لوقائع متشابهة من مبلغين مختلفين افادوا في مضمونها بـتعرضهم للنهب من شخص كان يتعرف عليهم داخل البص السفري ومن خلال الحديث معهم يعلم وجهتهم وماذا يحملون وماهية مهنتهم ويطيل الحديث معهم بزعم اقامة علاقة صداقه معهم. وخلال ذلك وعند توقف البص بمحطات بغرض استراحة يدعو ضحيته لتناول الشاي معه ويضع حبه مخدرة خلسة على كوب الضحية اذا ساعدته الفرصة وعندما لايساعده الحظ على فعل ذلك يقوم باغراء الضحية لتناول الحبة ويوهمه بانها تزيل تعب وجهد السفر ومن ثم يقوم بمتابعة الضحية ومرافقته الى وجهته. وعندها تكون الحبة المخدرة سرى مفعولها على جسد الضحية مما يسهل له عمليه النهب ومن ثم الفرار بممتلكات المجني عليه.
في قبضة السلطات:
ظل المتهم الذي اطلق عليه الرأي العام لقب سفاح البصات السفرية ينفذ العديد من الحوادث المشابهة دون القبض عليه. الا ان الاقدار شاءت وقوعه في يد السلطات. وذلك عند تنفيذه لآخر جريمة استخدم فيها القوة الجنائية ضد الضحية هذه المرة مما ادى لوفاة المجني عليه في الحال متأثرا من قوة الاصابة والضرب المبرح الذي تعرض له من قبل المتهم.
آخر ضحية:
تعرف السفاح على رجل داخل (بص) سفري قادم من احدى الولايات متجها الى الخرطوم ودار بينهما حديث مطول تعرف من خلاله على كل تفاصيل الضحية. وما تحمله من ممتلكات، كان رجل يحمل حقيبة بها ما يزيد عن المليون جنيه وقتها كان مبلغا له قدره الكبير. ظل السفاح ملازما للضحية مثل ظله نزولا وصعودا بمحطات توقف البص عند محطات الاستراحة بين منطقة واخرى. وعند قربهم من الخرطوم وفي اخر محطة استراحة اشتكى الضحية من تعرضه لصداع وعندها جاءت الفرصة للسفاح متاحة فما كان منه الا ان سارع بمنحه حبة واكد له بانها تزيل آلام الصداع سراعا. وتناولها المجني عليه وامله التشافي الا ان امل المتهم كان مغايرا.
الجريمة الاخيرة:
كان المتهم قد علم بان الضحية متجه الى ام درمان ولتنفيذ جريمته ادعى بانها ذات وجهته وطلب من الضحية ان يستقلا عربة امجاد لتوصيلهما الى وجهتيهما معا وبالفعل فور وصولهما الخرطوم طلبا العربة وعند وصولهما منطقة المهندسين بام درمان طلب الضحية التوقف واخبر المتهم بانه وصل الى وجهته فيما واصل المتهم المشوار مع السائق ولكن لم تمض دقائق الا ان اوقف المتهم العربة وادعى للسائق بانه قد وصل مبتغاه. وترجل عنها وشرع مسرعا بملاحقة الضحية. وبالفعل قابله واعترض طريقه وفي اعتقاده ان الحبة المخدرة قد لعبت دورها الا انها هذه المرة قد خذلته ولم يفقد الضحية توازنه وظل بكامل وعيه. وحاول نهبه الا ان المجني عليه ابدى له مقاومة عنيفة وتمكن المتهم من نزع فرع شجرة كانت بالطريق وانهال به ضربا على الضحية مركزا على توجيه الضربات على منطقة الرأس للحصول على سرعة التأثير حتى ينجح في تنفيذ جريمته.
ضمير غائب:
المجني عليه من خلال تعرضه للضرب المبرح بالرأس اصابه الدوار وسقط على الارض مغشيا عليه وافلح المتهم في تنفيذ مهمته الاجرامية ونهب حقيبة الضحية بصورة وحشية وضميرا غائب استولى على الممتلكات ولاذ بالفرار.
رحلة البحث:
تفاجأ المارة بوجود جثة ملقية على الارض وتم اخطار السلطات وتم التعرف على ذوي المجني عليه. لتبدأ رحلة البحث عن الجاني وماهية دوافع ارتكاب الجريمة. اهل المجني عليه افادوا بان قتيلهم قادم من الولايات ويحمل حقيبة يد وجهاز موبايل .
مباشرة التحريات:
باشرت الشرطة تحرياتها للقبض على الجاني ومن خلال جهاز الموبايل تم الوصول الى تاجر موبايلات عثر عنده هاتف خاص بالمجني عليه. وبدوره ارشد التاجر على الشخص الذي باع له الموبايل كما تم العثور على بدلة خاصة بالمجني عليه بحوزة اخر وكذلك ارشد على المتهم وتم القبض عليه باحد احياء ابوسعد وبتفتيش المنزل عثر على الحقيبة المنهوبة وكان مكتوب عليها رقم هاتف المجني عليه وضبطت بحوزة المتهم وتم اقتياده الى قسم الشرطة للتحقيق معه بعد ان وقع اخيرا في قبضتهم وبعد تنفيذه لعدة جرائم .
محاكمة متعسرة:
فور اكتمال التحري معه احالته النيابة الى المحكمة بتهمة القتل العمد والنهب. وبدأت محكمة جنايات ام درمان جنوب اجراءات محاكمته التي سارت متعسرة لاسباب خارجة تتمثل في تنقل القضاة وغياب الشهود. وكان المتهم قد طلب من المحكمة انتداب محام من ادارة العون القانوني ليترافع عنه لتعذره في احضار محام خاص نسبة لظروفه المادية وكان له ذلك بموافقة المحكمة.
معلومات خفية:
تعاقب اربعة قضاة على هذه الدعوى جميعهم لم يتسن له الوقت لاكمال اجراءاتها والنطق بالحكم بسبب التنقلات . بيد ان القاضي الاخير استلم القضية وكانت على مشارف خواتيمها. واثناء سير جلسات المحاكمة كانت تحدث كثير من العقبات التي تتسبب في تأجيل الجلسة حيث تسربت معلومات بصورة خفية افادت في فحواها ان المتهم يتعامل بالسحر والدجل لتضليل القضاة. واشارت معلومة تسربت من افراد الشرطة المسؤولين عن حراسة المتهم الى انهم عندما احضروا المتهم وكان مقيدا بالكلباش على كلتي يديه احضرت الشرطة مفتاح الكلباش لتحريره الا ان المتهم عاجلها وفاجأها بان نفس بفمه على القيود وبدورها فتحت وتحررت يديه من القيد.
مفاجأة ثانية:
وفي واقعة مفاجئة ثانية حددت المحكمة جلسة لاستعراض الاعتراف القضائي للمتهم والذي تم تسجيله على اسطوانة سي دي. وحضر مهندسا كمبيوتر وبحوزتهما جهاز كمبيوتر والاسطوانة المطلوبة . وتم اعداد تركيبها لمشاهدتها بواسطة المحكمة الا ان الجهاز لم يعمل وتساءل القاضي عن وجود عطب بالجهاز ونفى المهندس ذلك مؤكدا تجربته قبل حضورهم للمحكمة . مما اثار الدهشة وسط الحضور وبدأت علاماتها واضحة بوجه القاضي. وبدوره وجه بنقل الجلسة من القاعة الى اخرى وبالفعل تم نقلها الى مكتب اخر وكانت المفاجاأ بان عمل الجهاز بوضوح تام مما اثار الاستغراب والخوف على جميع الحاضرين .
اقرار المتهم:
طوت المحكمة ملف القضية بتوقيع عقوبة الإعدام على المتهم بعد أن ادانته بمخالفة المادة ١٣٠ من القانون الجنائى المتعلقة بالقتل العمد بالإضافة إلى النهب وكان
المتهم مقرا بارتكاب الجريمة في التحري الاول وسجل اعترافا قضائيا الا انه تراجع عنه باستجوابه امام المحكمة . ومن خلال البينات المقدمة والشهود وجهت له المحكمة الاتهام بالقتل العمد والنهب. وخيرت اولياء دم القتيل ما بين العفو وقبول الدية او القصاص وتمسكوا بالاخير . ووقعت عليه المحكمة عقوبة الاعدام شنقا حتى الموت. ورفعت الاوراق الى المحاكم الاعلى للاستئناف. ومازال الملف يتنقل بين المحاكم العليا ما بين مؤيدة للاعدام واخرى لاغية للعقوبة.