لم تكن للعميد (م) محمد إبراهيم عبد الجليل الشهير بود إبراهيم شعبية كبيرة وكارزيما سياسية وقيادية داخل القوات المسلحة، مثل ما كان يلقاها وسط مجموعة شباب ما يعرف بالسائحين قبل أن تقوم الإنقاذ بوسائلها الاختراقية من شق صفوفها، بعد أن خشيت أن تستلب منها تعاطف العديد من الشباب في التنظيم الإسلامي، ذلك لأن العديد من القوى المتلزمة كانت قد أصدرت مذكرة الإصلاح الشهيرة، ولم تلتفت إليها سلطة الإنقاذ وتجاهلتها كما تجاهلت بعدها مذكرة الإصلاح التي قادها د. غازي صلاح الدين بل تسببت لاحقاً في إبعاده من المؤتمر الوطني .
ولم يكن العميد ود إبراهيم بعيداً عن الحراك الإصلاحي الإسلامي، فقد شارك في مذكرة إصلاحية وقع عليها (700) من الضباط الإسلاميين داخل الجيش طالبت بإصلاحات داخل الجيش وإقالة وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين من منصبه، الا إن الرئيس المخلوع لم يستجب للطلب لكنه أبعده بعد عدة سنوات.
ويعتبر ود إبراهيم زعيماً روحياً لعدد من شباب المقاتلين الإسلاميين في جنوب السودان، ثم ازدادت كارزيمته القيادية عندما نجح في تحرير منطقة هجليج البترولية من قوات دولة جنوب السودان عبر عمليات استخدمت فيها وسائل الاقتحام الجماعي التي لا تهتم بتكتيكات تقليل الخسائر، إذ كانت السلطات الإنقاذية تريد استعادة المدينة بأسرع وقت ممكن بصرف النظر عن الخسائر البشرية، لتحقيق مزيد من التعاطف الجماهيري وكسب نقاط مستحقة من الحركة الشعبية .
وبعد أن نجحت عملية التحرير أنعم الرئيس المخلوع عمر البشير بوسام الشجاعة على العميد ود إبراهيم.
من التصحيح إلى الانقلاب
وعندما شعر ود إبراهيم هو والمجموعة الشبابية التي تتعاطف معه بالإضافة الى عدد من الضباط داخل الجيش وخارجه في المعاش بأن إحداث حركة الإصلاح وفق المفهوم الذي يستهدفونه بات من المستحيل تحقيقه في ظل نظام يكتفي بالشعارات الإسلامية كوسيلة للاستقطاب والتمكين السلطوي، قرر أن يستفيد من فوران بعض الشباب الملتزم المقاتل، ودفعهم للمشاركة معهم في حركة انقلابية فاشلة في عام 2013م أسفرت عن اعتقال الأجهزة الأمنية ثلاثة عشر من ضباط الجيش وجهاز الأمن والمخابرات وعناصر مدنية، وأعلن وقتها الناطق الرسمي للحكومة ووزير الإعلام إن مدير المخابرات الفريق اول صلاح قوش ضمن المعتقلين وكذلك العميد محمد إبراهيم الشهير بود إبراهيم قائد الحرس الرئاسي السابق، ووقتها كتب الصحافي إسحاق أحمد فضل الله في عموده (آخر الليل) بصحيفة (الإنتباهة) عقب فشل الحركة الانقلابية ضد نظام الإنقاذ البائد، إن الفريق صلاح قوش في ما معناه قد حاول التملص من مشاركته في الانقلاب حينما شعر بأنه تم كشفه، فسارع لإخطار الرئيس بتفاصيل المخطط، غير أن الرئيس بحسب إسحاق قال له: (إنت ذاتك معاهم)، وعندها تم اعتقاله، ليعود إلى جهاز الامن والمخابرات مجدداً، ليستمر حتى زوال النظام بعد ثورة ديسمبر المجيدة .
وربما كانت إرهاصات الحراك الإنقلابي في عام 2013م بحسب وكالة (الأناضول)، إنه بعد صدور البيان الختامي للمؤتمر العام الثامن للحركة الإسلامية قبل أيام، وما تبعه من انتقادات وجهها الشباب للقيادة التي اتهموها بـ (الالتفاف) على مطالبهم الإصلاحية وإجراء تعديل دستوري (يكرس) سلطتها، لمع اسم ود إبراهيم مجدداً ضمن عدد من العناصر المدنية والعسكرية الرافضة لنتائج المؤتمر، وتم تداول أنباء عن ردة فعل عنيفة من الشباب ترقى لدرجة التمرد الصريح على القيادة.
وعقب اعتقاله سرت أنباء عن تململ وسط شباب التنظيم وضباط الجيش التابعين للتنظيم، حيث يتمتع الرجل بكاريزما (جاذبية) قوية بينهم، لكن القيادي بحزب المؤتمر الشعبي المعارض الأمين عبد الرازق قال لمراسل وكالة (الأناضول) إن المتذمرين لا يملكون القدرة على اتخاذ فعل يمثل تهديداً حقيقياً للنظام، حيث مازالت القيادة مسيطرة على الأمور.
عودة لمربع الانقلابات
وبحسب الزميلة صحيفة (السوداني) أمس، فإنّ القوات الأمنية قطعت الطريق أمام مخطط محكم يهدف للقيام بـعملية انقلابية جرى التخطيط لها من قبل بعض النظاميين والمعاشيين وفصيل من الإسلاميين بقيادة العميد (م) ود إبراهيم.
وقامت القوات الأمنية بجملة اعتقالاتٍ واسعةٍ شملت القيادي في مجلس الصحوة الثوري علي مجوك الذي ألقى القبض عليه بمدينة القلابات، برفقة عدد من الضباط النظاميين والمعاشيين والإسلاميين.
وبحسب مصادر الصحيفة أنّ هذا العمل ليس انقلاباً ضد الدعم السريع، وإنّما انقلاب ضد النظام القائم بأكمله، خطط له ود إبراهيم ومجوك وفصيل من السائحين الإسلاميين.
وكشفت الصحيفة أنّ علي مجوك الذي شغل منصب وزير الدولة بالمجلس الأعلى للحكم اللامركزي في عهد النظام المخلوع كان في بريطانيا ومنها غادر إلى فرنسا ودبي، ثم أديس أبابا، ومن ثم دخل في مدينة القلابات، حيث قرّر بعض العسكريين أنّ يتمّ اللقاء معه بالقلابات.
وأضافت الصحيفة قائلة: (دبرّوا للانقلاب قبل فترة، وكانت القوات الأمنية ترصد تحرّكاتهم بدقة، ومازال التحقيق جارياً معهم بواسطة الاستخبارات العسكرية واستخبارات الدعم السريع وجهاز المخابرات، حيث تم القبض على مجموعة كبيرة منهم، وجار البحث عن أخرى، وعقب الانتهاء من التحقيقات ستكشف النتائج للرأي العام.
ظلال وأبعاد الحركة الانقلابية
وبعيداً عن مصادر صحيفة (السوداني) تحصلت (الإنتباهة) على بعض ملامح الحراك الانقلابي الذي استهدف الحكومة الانتقالية، حيث خطط أن يتزامن تنفيذ المخطط مع موكب (21) أكتوبر بعد إحداث فوضى يتم بعدها تنفيذ مخطط يعمل على تقويض وشق الدعم السريع بعد اعتقال قائده الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) ونائبه عبد الرحيم دقلو، ثم الاستفادة من حدوث انشقاق وقتال داخل المنظومة بعد اعتقال قادتها وانشغال القوات المسلحة بتهدئة الأوضاع، ثم النفاذ إلى مكان اعتقال زعيم المحاميد موسى هلال وإطلاق سراحه، حتى يكونوا قوة مسلحة بقيادته وبديلاً لقوات الدعم السريع في المستقبل، بالإضافة إلى علي مجوك القائد في مجلس الصحوة التابع لهلال، بمساعدة ضباط يتبعون للتنظيم الإسلامي ضمن منظومة الدعم السريع. وكانت قيادة القوات المسلحة قد أحالتهم للمعاش بعد أن رفضوا العودة للجيش، بعد قرار عودة كل العسكريين النظاميين الملتحقين بقوات الدعم السريع مرة أخرى إلى منظومة القوات المسلحة .
كما تشير المصادر الى أن عدداً من الملتحقين من أحد الأذرع الأمنية الذين تم إلحاقهم بالدعم السريع شاركوا في المخطط، بالإضافة إلى عدد من شباب السائحين وضباط بالمعاش، بينما لم يتم الكشف عما إذا كان هناك ضباط في القوات المسلحة قد شاركوا في المخطط .
ولم تؤكد المصادر إن كان مدير المخابرات السابق الفريق صلاح قوش ضمن المخطط، الا أنها لم تستبعد مشاركته بالنظر إلى مشاركته السابقة في محاولة الانقلاب ضد حكومة البشير بقيادة العميد ود إبراهيم حيث اعتقلا سوياً بعد المحاولة، غير أن ود إبراهيم لاقى تعاطفاً كبيراً وضغوطاً من شباب التنظيم الإسلامي، الأمر الذي دفع البشير لإطلاق سراحه دون محاكمة .
قائد المخطط الانقلابي في سطور
يعتقد أن العميد ود إبراهيم قائد الحركة الانقلابية الفاشلة، كان من المشاركين في انقلاب الإنقاذ 1989م، وهو خريج الدفعة (35) في القوات المسلحة، وولد في عام 1964م، وينحدر من منطقة العبيدية بولاية نهر النيل.
ودرج ود إبراهيم على إقامة إفطار سنوي في شهر رمضان المعظم يؤمه عدد كبير من شباب التنظيم الإسلامي، ويقرض ود إبراهيم الشعر الذي كان يحرص على إلقائه على الشباب في مواقع عمليات القتال بجنوب السودان وغيره من المناطق .
وماذا بعد؟
ويعتقد العديد من المراقبين أن حدوث مخطط انقلابي من شأنه أن يدفع قيادة القوات المسلحة والدعم السريع بيقظة أكبر لمواجهة مخططات القوى الظلامية، والتمسك بشكل أشد بحماية الفترة الانتقالية للوصول لعبور آمن رغم التحديات العديدة والتقاطعات السياسية التي تحدث أحياناً بين المكونات المدنية السياسية، سيما الحرية والتغيير وتلك الأجهزة العسكرية، كما أن إمساك المكون العسكري بعدد من الملفات المهمة كالتطبيع مع إسرائيل والتناغم مع القطاع المدني الحاكم، سيجعله في صلب مسؤولية التحول في البلاد سياسياً، بعد أن كان يرى أن المسؤولية تقع كلها على الجهاز التنفيذي، وكلها أمور تصب في صالح استقرار الفترة الانتقالية في حالة عدم النكوص عن أهداف الثورة في الحرية والعدالة والسلام العادل الذي لا يلبي فقط تطلعات قلة، بل مصالح أمة طالما عانت كثيراً من عدم الاستقرار وغياب الرفاهية لأكثر من ستة عقود خلت
الخرطوم: أحمد طه صديق
صحيفة الانتباهه