قامت واحدة من أضخم المستشفيات في ولاية الخرطوم بتقديم ورقة استبيان لكوادرها الصحية بجميع الفئات، السودانيين والأجانب من ممرضين وأطباء حول جائحة كورونا.
الاستبيان انحصر في الإجابة عن سؤالين إما بلا أو نعم، السؤال الأول كان: لو جاءت حالة مشتبهة بكورونا للمستشفى هل تتعامل معها؟، والسؤال الثاني لو قامت وزارة الصحة بتحديد هذا المستشفى كواحد من المستشفيات للتعامل مع مرضى كورونا هل توافق على العمل؟.
قبل أن أخبركم بنتيجة الاستبيان، اعلموا ان المستشفى وقبل السؤالين، أوضحت تماماً التزامها بأعلى معايير الوقاية من توفير أفضل الملابس الواقية ومعدات السلامة والتعقيم بجودة عالية والطرق الآمنة للتعامل مع المرضى والمشتبه فيهم، كما التزمت المستشفى بأنه في حالة إصابة الكادر الصحي بأنها ملتزمة تماماً بعلاجه وعلاج أسرته.
ليس ذلك فحسب، بل إنّ المستشفى قامت بتحويل مبنى كامل يتبع لها لشقق فندقية للكادر الطبي يتضمن غرفة بحمام منفصل وجهاز تلفاز وثلاجة وغسالة ملابس ومعدات تحضير الشاي والقهوة والحليب وتوفير وجبات طعام جاهزة والترحيل.
حسناً عقب كل ما سبق، إليكم نتيجة الاستبيان، 80% من الكوادر الصحية السودانية أعلنت رفضها التام وأجابت بلا على السؤالين، لن تقوم بالتعامل مع مشتبه كورونا، ولن تقوم بالتعامل مع قرار وزارة الصحة ان تم تحديد المستشفى كواحد من المستشفيات للتعامل مع المرضى، ولا عزاء لشرف المهنة…!!
أما الكوادر الصحية من الأجانب بجميع وظائفهم وتخصصاتهم فقد أجابوا بنسبة 100% بالقبول، وكان ردهم على السؤالين بعبارة واحدة نعم نوافق هذا واجبنا وهذا عملنا.
يا سبحان الله الأجانب يوافقون على إسعاف وتطبيب الشعب السوداني، وهؤلاء العاملون في هذا المستشفى من السودانيين يرفضون معالجة شعبهم، أي سقوط هذا، واي خزي، وأي عار، وأي حنث بقسم أبو قراط.
ماذا كان يتخيّل هؤلاء من مهنتهم في الطب، هل كانوا يتخيلون أن الطبيب او الممرض ينحصر دوره في ارتداء السماعة والتبختر باللاب كوت، ثم برستيج في المجتمع خلف حرف الدال، ونظرة الفخر والإعجاب وسط أفراد العائلة والمواطنين، ولدنا الدكتور وبنتنا الدكتورة، وملائكة الرحمة والجيش الأبيض.
هل حين قام هؤلاء العاملون في هذا المستشفى بالإقرار بالتقاعس والجبن في مواجهة الوباء، هل كانوا يتوقعون ان واجبهم ومهمتهم في الحياة التعامل فقط مع حالات الملاريا أو الشلل أو الجلطات أو غيرها من الأمراض غير المعدية…؟
كيف جابه الأطباء في كل العالم الأمراض الأشد فتكاً من ايبولا وكوليرا وسارس، دون أن يرمش لهم جفنٌ…؟ بل دون ان تتم زيادة مرتباتهم ولو دولاراً واحداً، كل العاملين في القطاع الصحي في كل العالم يعملون على مكافحة الوباء وهم في خطوط القتال الأمامية للمرض دون ان ينتظروا حتى كلمة شُكر.
ذلك في الوقت الذي تزيد فيه وزارة الصحة السودانية مرتبات الاطباء من ٤ آلاف الى ٥٠ ألفاً والممرضين الى ٢٥ ألفاً، ورغم ذلك التقاعس حاضر عند البعض..!!
لقد كنا نعتقد أن مشكلة الكوادر الصحية واحتمالية عزوفها عن العمل، قد تعود لأسباب تتعلق بعدم توفير الملابس الواقية ومعدات السلامة وضمان البيئة الآمنة للعمل بعيداً عن الأسرة لضمان عدم نقل العدوى للاهل من أب وأم أو أطفال وغيرهم، ولقد سبق ونوهت في مقال سابق لاحتمالية عزوف الكوادر بسبب عدم توفر الإجراءات الوقائية.
ولكن أن يصل الأمر برفض اداء الواجب بعد توفير كل هذه التدابير، فإنه لعمري السقوط الكبير والخزي والعار و وصمة عار في جبين هؤلاء على مَرّ التاريخ.
خارج السور:
إن الذي يتقاعس ويتهرب من اداء واجبه من طبيب او ممرض او تقني، هو تماماً مثل رجل الإطفاء الذي يمسك بخرطوم المياه وهو مقفل للبلف ولا يشارك في إطفاء الحريق، ويترك سكان المنزل يحترقون ويصرخون دون ان يسكب الماء عليهم، ودون ان يساعد في إخراجهم من وسط الحريق، وهو مثل الجندي الذي يقف في تأمين حدود وطنه ثم يترك الغزاة يقتحمون وطنه ويغتصبون أرضه وهو ممسك ببندقيته المحشوة بالرصاص ولكنه رصاص جبان لا يقوى على مغادرة خزانته.