أثار الاتفاق الذي أبرم بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة أمس الأول (الخميس) ردود فعل كبيرة وواسعة، وانقسم حوله المعلقون والمحللون، بين من وصفها بخطوة تاريخية، وبين من اعتبره تحويلا لصيغة (الأرض مقابل السلام) التي قامت على أساسها المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية لعشرات السنين إلى صيغة (السلام مقابل السلام)، في حين اتهم فلسطينيون الإمارات بخيانة قضيتهم، بينما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن هناك عددا من الدول العربية ستحذو حذو الإمارات قريبا، وأكد عدد من المراقبين أن إسرائيل لديها نظرة تتجاوز البعد الثنائي للاتفاق، وأنه قد يفتح أبواب عواصم دول عربية أخرى تلي الإمارات، وتوقع المراقبون أن تكون من بين هذه الدول السودان وسلطنة عمان والبحرين، وأعلنت الأخيرتان ترحيبهما بالاتفاق، في وقت لم تعلق فيه الخرطوم على الاتفاق حتى لحظة كتابة التقرير، وبررت الإمارات اتفاقها مع تل أبيب بأنه سيمنع ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية، فيما علق نتنياهو على الفيسبوك بأن خطة الضم لا زالت على الطاولة، كما يرى البعض أن الاتفاق ماهو إلا هدية إماراتية مجانية للاحتلال، وتطبيع كامل للعلاقات بين الإمارات وإسرائيل مقابل (تجميد) خطة الضم وليس إلغاءها على أن تطبق في إطار تطبيق رؤية ترامب.
نص الاتفاق
الاتفاق بين الرئيس الأميريكي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية نص على مباشرة العلاقات الثنائية الكاملة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، وذكر بيان صادر عن وكالة الأنباء الإماراتية أن من شأن هذا الإنجاز الدبلوماسي التاريخي أن يعزز من السلام في منطقة الشرق الأوسط، وهو شهادة على الدبلوماسية الجريئة والرؤية التي تحلى بها القادة الثلاثة، وعلى شجاعة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل لرسم مسار جديد يفتح المجال أمام إمكانيات كبيرة في المنطقة، وتواجه الدول الثلاث العديد من التحديات المشتركة في الوقت الراهن، وستستفيد بشكل متبادل من الإنجاز التاريخي الذي تحقق اليوم، وأضاف البيان: سوف تجتمع وفود من دولة الإمارات وإسرائيل خلال الأسابيع المقبلة لتوقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بقطاعات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة وإنشاء سفارات متبادلة وغيرها من المجالات ذات الفائدة المشتركة، وتابع: إن بدء علاقات مباشرة بين اثنتين من أكبر القوى الاقتصادية في الشرق الأوسط، من شأنه أن يؤدي إلى النهوض بالمنطقة من خلال تحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الابتكار التكنولوجي وتوثيق العلاقات بين الشعوب، وأكد البيان أنه ونتيجة لهذا الانفراج الدبلوماسي وبناء على طلب الرئيس ترمب وبدعم من دولة الإمارات، ستتوقف إسرائيل عن خطة ضم أراضٍ فلسطينية وفقاً لخطة ترمب للسلام، وتركز جهودها الآن على توطيد العلاقات مع الدول الأخرى في العالم العربي والإسلامي، وإذ تؤمن كل من الولايات المتحدة ودولة الإمارات وإسرائيل بإمكانية تحقيق إنجازات دبلوماسية إضافية مع الدول الأخرى، فإنها ستعمل معا لتحقيق هذا الهدف، وزاد: ستقوم الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل على الفور بتعزيز التعاون وتسريعه، في ما يتعلق بمعالجة وتطوير لقاح لفيروس كورونا المستجد من خلال العمل معاً، وستساعد هذه الجهود في إنقاذ حياة الجميع بصرف النظر عن دياناتهم في جميع أنحاء المنطقة، واعتبر البيان أن بدء العلاقات الدبلوماسية السلمية سوف يجمع بين إثنين من أقوى شركاء أمريكا في المنطقة، وستنضم الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل إلى الولايات المتحدة لإطلاق أجندة استراتيجية للشرق الأوسط لتوسيع التعاون الدبلوماسي والتجاري والأمني، وقال: وإلى جانب الولايات المتحدة، تتشاطر الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل وجهة نظر مماثلة في ما يتعلق بالتهديدات والفرص في المنطقة، فضلاً عن الالتزام المشترك بتعزيز الاستقرار من خلال المشاركة الدبلوماسية، وزيادة التكامل الإقتصادي والتنسيق الأمني، وسوف يؤدي هذا الاتفاق إلى حياة أفضل لشعوب الإمارات وإسرائيل والمنطقة، وأضاف: وسيواصل الطرفان جهودهما في هذا الصدد للتوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبحسب خطة السلام يجوز لجميع المسلمين أن يأتوا لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وينبغي أن تظل الأماكن المقدسة الأخرى في القدس مفتوحة أمام المصلين من جميع الأديان.
لقاء عنتيبي
الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل أعاد إلى الأذهان اللقاء الذي أجراه رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمدينة عنتيبي اليوغندية وبرعاية موسيفيني في فبراير الماضي، والذي أثار جدلا واسعا وانقساما كبيرا وقتها، وأيده البعض ورفضه بعض آخر، وقال إنه لم يكن على علم به، إلا أنه بعد هذا اللقاء لم نر تطورات لما قام عليه سوى الطائرة الإسرائيلية التي حطت بمطار الخرطوم لنقل الراحلة نجوى قدح الدم مستشارة البرهان لعلاجها قبل وفاتها مباشرة. فإذا كان اللقاء بين البرهان ونتنياهو ربما قد عقد في وقت غير مناسب وإذا كانت نتائجه لم تجد اتفاقا شاملا وعدم قبول من بعض الجهات، فهل اتفاق أبوظبي تل أبيب سيفتح الباب لتطوير هذا اللقاء إلى اتفاق ثنائي مماثل، خصوصا بعد طرح اسم السودان على قائمة الدول المتوقعة لمزيد من التطبيع؟ وما هي الفوائد التي تنتظرها الخرطوم من هذا الاتفاق وهل هذه الفوائد ستترجم مصالح على الأرض للشعب السوداني، برفع إسم السودان مثلا من قائمة الدول الراعية للإرهاب؟ أم أنها لن تغادر محلها من الاتفاقات الشفهية ولن تضيف غير مزيد من بيع القضية الفلسطينية ولن تخرج من كونها وسيلة للتنافس في الإنتخابات الأميريكية الجارية لصالح ترامب؟
هناك فرق
قد يرى البعض تناقضا في الموقف المصري والذي رحب على لسان الرئيس السيسي بالاتفاق الذي وقع بين الإمارات وإسرائيل، في وقت هاجم فيه مصريون لقاء البرهان- نتنياهو من قبل، علاوة على أن مصر نفسها موقعة اتفاقية سلام مع تل أبيب منذ أربعين عاما، إلا أنه هنا يجب أن نفرق بين مصر الرسمية وأنها دولة مواجهة وملتزمة باتفاق مع إسرائيل، لكن هذا الاتفاق في الوقت نفسه لم يبارح مكانه الرسمي والدبلوماسي، أما الداخل المصري فيرفض رفضا تاما التطبيع مع إسرائيل على المستوى الشعبي، ومن يفكر في ذلك يتهم بالخيانة العظمى داخل مصر، وقد يكون توقيع اتفاق سلام بين القاهرة وتل أبيب له مايبرره في وقته، لأنه جاء بعد الحرب بينهما، وبادر الرئيس الراحل أنور السادات بتوقيعه بعد إنتصاره في الحرب من منطلق قوة، وربما كان البناء على هذا الاتفاق وقتها إنتصارا عربيا لأنه كان سيضمن صيغة (الأرض مقابل السلام)، أما الآن وبعد أن تغير الزمان وتبدلت الظروف المحيطة، فماهي المكاسب المنتظرة من مثل هذه الإتفاقيات مع تل أبيب سوى مزيد من التنازل العربي لصالح إسرائيل؟، الشاهد على هذا الحديث يُلاحظ من حديث نتينياهو وتعليقه على الاتفاق مع الإمارات، فقد خطب الرجل خطبة عصماء بدا فيها منتشيا كطاووس فرد قلوعه على الراهن الحالي في المنطقة، ما يعكس تدهورا عربيا واضحا لصالح عجرفة هذا الرجل.
السودان الثالث
خالد محمد علي نائب رئيس تحرير صحيفة الأسبوع المصرية والخبير في الشأن السوداني يرى أن الاتفاق الذي حدث بين الإمارات وإسرائيل خطوة من ضمن خطة متفق عليها منذ فترة طويلة. وقال خالد لـ(اليوم التالي): أعتقد أن الدولة الثانية والتي ستوقع مع إسرائيل هي البحرين لأنها قطعت شوطا كبيرا في التفاوض وتبقى لها الإعلان فقط، وأتوقع أن تكون الدولة الثالثة السودان، وتابع: هناك ربط واضح في السودان الآن بين التطبيع الكامل مع إسرائيل وفك الحصار ورفع إسم السودان من قائمة الإرهاب، لافتا إلى أن الحكومة الانتقالية في السودان لن تمانع هذا الاتفاق، وأن معظم الحاكمين في السودان الآن يرون أن الطريق إلى الاستثمار وفتح الخزائن الغربية يبدأ من العلاقات مع إسرائيل، وأن ذلك هو الوصفة السحرية لحل المشاكل ومواجهة التحديات، وقال: في تقديري أن هذا التصور غير صحيح، وأن من يرى أن القوي يمكن أن يعطي الضعيف دون مقابل واهم، وتابع: السودان يطمع في رفع اسمه من قائمة الإرهاب وهذا حقه، لكن في المقابل أمريكا تريد السيطرة على كل ثروات السودان، مستشهدا في ذلك بالأوضاع في ليبيا، وقال إن الأهم لدى الغرب هو الحصول على الهلال النفطي بليبيا وليس تحسين الأوضاع بها، مضيفا: كان البعض في السودان يتصور أنه بمجرد سقوط البشير سيقبل الغرب وسيفتح أبوابه، وبعد أكثر من عام على التغيير بالبلاد مازالت الأوضاع على ماهو عليه السودان في القائمة السودان ومحاصر إقتصاديا، مؤكدا أن السودان سرعان ماسيتأكد أن أي تنازل للغرب وهم كبير، وقال إن الحقيقة المؤكدة أن السودان لن ينهض إلا بسواعد أبنائه وإستخراج ثرواته بنفسه وليس بفتح الأبواب للخارج، موضحا أن المقارنة مع مصر في هذا الموضوع خاطئة وظالمة، وقال إن مصر كان لديها نزاع مسلح وحرب مع إسرائيل، ومن الطبيعي أن يكون هناك تفاوض بعد الحرب ينتهي بسلام، مضيفا لكن ماهو الدافع القوي الذي يدفع السودان للتطبيع مع إسرائيل سوى الإعتراف بشرعيتها وأن القدس عاصمة لها، وما الذي سيعود على السودان من إلغاء الشعب الفلسطيني بصورة كاملة، وزاد قد يكون من المقبول أن تكون هناك درجة من درجات تبريد الجبهة مع إسرائيل وعدم إثارة خلافات معها، ولكن عند هذا الحد فقط، وذلك لمنع فتح جبهات خارجية والسودان في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه، أما التطبيع الكامل فلن يعود على السودان بأي فائدة.