ربما لم يخطر ببال الزعيم القبلي الشهير المثير للجدل موسى هلال أن تنتهي علاقاته مع الإنقاذ بتلك الصورة التراجيدية بعد شهر العسل الطويل معها عبر تحالف تمازجت فيه الأبعاد السياسية والأمنية مع زعيم قبلي يعد أحد الزعامات القبلية في تلك المنطقة ومع نظام يجيد إدارة تلك التقاطعات الإثنية والأمنية والسياسية لصالحه مهما كان الثمن المدفوع .
غير أنه يبدو أن هلال راهن على أوراق قوته على الطاولة والبينات الظرفية لكنه أهمل براغماتية خصمه القادرة على خلط الأوراق والقفز على المراحل دون مراعاة للتحولات والنتائج المتوقعة .
كيف كانت الحكاية ؟
لاشك أن سطوع النجم القبلي موسى هلال له علاقة مباشرة مع إيقاع الأحداث الملتهبة في دارفور وطقسها الدامي ومع حاجة نظام الإنقاذ للاتكاء على الأذرع الأهلية كدرع يتوارى خلفه من مرآة المجتمع الدولي الذي كان يطبق أياديه عليه ويرخي سمعه على زخات رصاصه هناك ويرمي بعيونه مصوراً بعضاً من تلك المشاهد الدامية التي لم يتوّرع في ارتكابها في حرب لم يكن خصومه المسلحون أيضاً يتمتعون بأيد نظيفة من تداعياتها البشعة سيما أن ضحاياها كانوا عزلاً دفعوا فاتورة القتل والجراح والتشرد .
هلال في ساحة السياسة
كان للزعيم القبلي موسى هلال طموحات سياسية طافحة حاولت حكومة المؤتمرالوطني احتواءها لكن بثمن أقل كعادة الإنقاذ مع حلفائها السياسيين حيث إنها تبذل لهم المال والصولجان البراق الذي يلمع من الخارج لكنه يظل مجرد نحاس لايصلح سوى إطلاق الأصوات مكبلاً عن الفعل المؤثر.
وقبل سنوات قدِم موسى هلال للخرطوم متقلداً منصب مستشار الحكم المحلي، غير أنه بعد فترة هجرالمنصب وعاد إلى منطقته مغاضباً عندما أحس أن المنصب الجديد شكل من الموازنة السياسية أكثر من كونه يحوي وصفاً وظيفياً فاعلاً، لهذا عندما سئل عقب زيارة للإمارات قال (والله الموازنات هي في الأصل جزء من حل لدى موقع أصحاب القرار السياسي أكثر من كونها عرضاً للمشاكل من حيث المكتسبات القبلية، لكن هناك أخطاء في الموازنات السياسية نعترف بها).
ويرى كثيرمن المراقبين أن الحكومة آنذاك أخطأت حين اعتبرت أن الإطار الشكلي الذي اختارته لهلال كمستشار دون اعباء تقريباً يمكن أن يحتوي سقف طموحاته الجامحة واحساسه القوي بتنامي مركزه القبلي والعسكري في لعبة الصراع الملتهب بدارفور ولم تمض فترة طويلة حين اعترض هلال على تعديلات دستورية أجرتها الحكومة وذلك عبر حوار إذاعي مع المتحدث باسم مجلس الصحوة الثوري أحمد محمد بابكر في مقابلة مع راديو ( عافية دارفور) حيث اعتبرها غير كافية كما اعلن انشقاق هلال عن المؤتمر الوطني وتكوين كيان مجلس الصحوة الثوري ومحذراً ان كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع المؤتمر الوطني .
ثم توالت المواقف المتقاطعة مع حكومة المؤتمرالوطني ربما كان أكثرها تعبيراً عن بعد الشُقة بين الطرفين حين صدر بيان نُسب لمجلس الصحوة التابع لهلال أيد وثيقة نداء السودان الموقعة من قوى الاجماع الوطني والجبهة الثورية وحزب الأمة قالوا فيه إنهم يؤيدونها سلمياً أو عبر آليات أخرى كثيرة ومجربة وسيقوم المجلس في هذا الإطار بدراسة الوثيقة وشرحها ونشرها وسط قواعده باعتبارها خطوة وميثاق تتعاهد عليه كل شعوب السودان نحو الحل الجذري للأزمة السودانية.
تصاعد الأزمة
ويرى المراقبون أن المؤتمر الوطني أخطأ حين اعتبر أن الإطار الخارجي الذي رسمه لهلال في وظيفة مستشار بلا أعباء تقريباً من الممكن أن يمتص كل طموحاته السياسية الجامحة، والتي ظهرت في خصامه الشرس مع والي ولاية شمال دارفور يوسف كبر مطالباً الحكومة بإقالته ، وفي اعقاب تلك التقاطعات التقى آنذاك نائب رئيس الجمهورية حسبو عبد الرحمن موسى هلال في منطقته وأجرى معه بعض التفاهمات بيد أن هلال فيما يبدو استعصم بموقفه ، دون أن يعلن ذلك بالطبع على العلن ، لكن يبدو أن زعيم المحاميد هلال الذي يجيد العمل العسكري وتكتيكاته بات أيضاً يجيد البراغماتية السياسية حيث صار يمارس لعبة شد الحبل وارتخائه مع الخرطوم ففي اثناء تلك التقاطعات نسبت إليه كثير من التصريحات حول علاقاته مع الحكومة لكنه سرعان ما كان ينفي ذلك، ففي وقت سابق نقلت عنه الوسائط الإسفيريةأنه امهل الحكومة حتى التاسع من شهر يناير 2015م للاستجابة لمطالبه او الاستقالة من المؤتمر الوطني وديوان الحكم الاتحادي والبرلمان، بيد أن ممثلاً لمجلس الصحوة أعلن في حوار صحفي انهم سيدخلون الانتخابات، بالرغم من أن القانون يمنع مشاركة القوى المسلحة في السجال الانتخابي في حين أن كل الإرهاصات منذ ذلك الوقت كانت تؤكد أن هلال لن يوافق على نزع سلاحه.
بيد أنه بالرغم من مواقف هلال المتقاطعة مع الحكومة لكنها كانت حريصة على انتهاج سياسةعدم اشعال الحريق المباشر في تلك الظروف سيما في منطقة لم تهدأ فيها النيران منذ أكثر من عقد من الزمان ولهذا صرح نائب رئيس المؤتمر الوطني إبراهيم غندور آنذاك (أن هلال باق في الحزب وانه قيادي به وقد أكد ذلك بنفسه)، رغم أن هلال منذ أن مكث في منطقته هناك لم يعد للخرطوم في حين ظلت عضويته مستمرة وقال رئيس البرلمان ان هلال ابدى اسباب تغيبه، لكن هلال لم يؤكد أنه قدم خطاباً للمجلس بهذا الصدد وهو ما اعتبره المراقبون ان تلك الخطوة من (الوطني) تأتي في إطار حرصه على إبقاء الباب مفتوحاً لعودة هلال مرة أخرى أو على الأقل إبقاء الشعرة الرابطة بين الطرفين ممدودة حتى تحين الضربة المناسبة ضده وهو ما حدث لاحقاً.
هلال في السفارة الأمريكية
قبل عدة سنوات فاجأت السفارة الأمريكية بالخرطوم كل المراقبين بالداخل والخارج والمتابعين خاصة للشأن الدارفوري والسياسة الأمريكية في المنطقة حين دعت زعيم المحاميد المثير للجدل موسى هلال في جلسة مباحثات سرية لاأحد يعرف خبايا تفاصيلها في تلك القلعة الحصينة على أجهزة التنصت، واكتفى هلال وقتها بقوله إنه أوضح للأمريكان إنه ليس زعيماً للجنجويد ولا قاطع طرق وإنما هو زعيم قبيلة.
ويأتي عنصر المفاجأة في ذلك الحدث أن هلال هو أحد المطلوبين في اللائحة الأمريكية كمجرم حرب بحسب اللائحة، وبالرغم من أن هلال يعتز بزعامته المطلقة لقبيلته المحاميد لكنه يرفض أن يتقوقع في ذلك الإطار بالنظر إلى طموحاته السياسية الشبقة وتنامي مركزه العسكري ففي حوار صحفي سابق قال ( دارفور هي جزء من السودان وقضايا السودان لاتنفك عن بعضها وهي تتشابه إلى حد كبير ، أضف الى ذلك الحديث عن كوني اناقش قضايا دارفور لوحدها دون غيرها من مناطق السودان حديث يجافي الواقع وهو امر مقصود بأن يطلق على موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد ، والزعيم القبلي هذا كله مقصود لتقزيم مواقفي وتصوير الامر كانني اتحدث عن شؤون قبيلة او مجموعة بعينها) .
متاعب جديدة
عندما تفجرت ثورة ديسمبر ربما ظن موسى هلال أن متاعبه ستنتهي وأن المكون العسكري الذي كان يحكم البلاد قبل تكوين الحكومة المدنية الذي انفتح على بعض الكيانات القبلية سيما بعد فض الاعتصام الشبابي الثوري بالقيادة العامة للجيش سيناله منه شيء من الرضا النسبي رغم ملابسات اعتقاله التي كان الدعم السريع أضلاعها المهمة والذي أصبح بعدالثورة ضمن مكوناتها الفاعلة في سدة حكم، غير أن ذلك لم يتحقق فقد ظل هلال في الحبس كما قُدم لمحاكمة عسكرية قبل فترة أفضت مؤخراً إلى توجيه تهمة له وعدد من مجموعة الصحوة التي يتزعمها تتعلق بالقتل وسلب ممتلكات الدولة كما وجهت له تهمة الحرابة .
هل تتدخل السياسة ؟
بالرغم من المحاكمة عسكرية النزعة بيد أن المحللين لا يستبعدون بعد انتهاء المحاكمة أو قبل نهايتها أن تتدخل السياسة ببعدها القبلي من التدخل السلمي من أجل إصدار عفو من القائد العام للجيش بعد توصية من قائد الدعم السريع الذي يشكل شراكة أمنية وسياسية معها عبر المكون العسكري في المجلس السيادي، وهو حكم إن صدر ربما لايتنفس هلال وحدة الصعداء في ظل ما تفرزه المحاكمة من تقاطعات قبلية مؤثرة أما إذا ظل هلال في محبسه فهذا يعني انتهاء حلم زعيم قبلي طموح حاول المزاوجة بين البندقية والسياسة والنفوذ القبلي لكنه خسر الرهان بثمن باهظ .